الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أو قيام الليل على أن ال {ناشِئة} له أو العبادة التي تنشأ بالليل أي تحدث، أو ساعات الليل لأنها تحدث واحدة بعد أخرى، أو ساعاتها الأول من نشأت إذا ابتدأت. {هِى أشدُّ وطْأ} أي كلفة أو ثبات قدم، وقرأ أبو عمرو وابن عامر {وطاء} بكسر الواو وألف ممدودة أي مواطأة القلب اللسان لها، أو فيها أو موافقة لما يراد منها من الخضوع والإِخلاص. {وأقْومُ قِيلا} أي وأسد مقالا أو أثبت قراءة لحضور القلب وهدوء الأصوات.{إِنّ لك في النهار سبْحا طوِيلا} تقلبا في مهماتك واشتغالا بها فعليك بالتهجد، فإن مناجاة الحق تستدعي فراغا. وقرئ {سبخا} أي تفرق قلب بالشواغل مستعار من سبخ الصوف وهو نقشه ونشر أجزائه.{واذكر اسم ربّك} ودم على ذكره ليلا ونهارا، وذكر الله يتناول كل ما يذكر به تسبيح وتهليل وتمجيد وتحميد وصلاة وقراءة قرآن ودراسة علم. {وتبتّلْ إِليْهِ تبْتِيلا} وانقطع إليه بالعبادة وجرد نفسك عما سواه، ولهذه الرمزة ومراعاة الفواصل وضعه موضع تبتلا.{رّبُّ المشرق والمغرب} خبر محذوف أو مبتدأ خبره: {لا إله إِلاّ هُو} وقرأ ابن عامر والكوفيون غير حفص ويعقوب بالجر على البدل من {ربك}، وقيل بإضمار حرف القسم وجوابه {لا إله إِلاّ هُو}. {فاتخذه وكِيلا} مسبب عن التهليل، فإن توحده بالألوهية يقتضي أن توكل إليه الأمور.{واصبر على ما يقولون} من الخرافات. {واهجرهم هجْرا جمِيلا} بأن تجانبهن وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم إلى الله فالله يكفيكهم كما قال: {وذرْنِى والمكذبين} دعني وإياهم وكل أمرهم فإن بي غنية عنك في مجازاتهم. {أُوْلِي النعمة} أرباب التنعم، يريد صناديد قريش. {مهِّلْهُمْ قلِيلا} زمانا أو إمهالا.{إِنّ لديْنا أنكالا} تعليل للأمر، والنكل القيد الثقيل. {وجحِيما}.{وطعاما ذا غُصّةٍ} طعاما ينشب في الحلق كالضريع والزقوم. {وعذابا ألِيما} ونوعا آخر من العذاب مؤلما لا يعرف كنهه إلا الله تعالى، ولما كانت العقوبات الأربع مما تشترك فيها الأشباح والأرواح فإن النفوس العاصية المنهمكة في الشهوات تبقى مقيدة بحبها والتعلق بها عن التخلص إلى عالم المجردات متحرقة بحرقة الفرقة متجرعة غصة الهجران معذبة بالحرمان عن تجلي أنوار القدس، فسر العذاب بالحرمان عن لقاء الله تعالى.{يوْم ترْجُفُ الأرض والجبال} تضطرب وتتزلزل ظرف لما في {إِنّ لديْنا أنكالا} من معنى الفعل.{وكانتِ الجبال كثِيبا} رملا مجتمعا كأنه فعيل بمعنى مفعول من كثبت الشيء إذا جمعته. {مّهِيلا} منثورا من هيل هيلا إذا نثر.{إِنّا أرْسلْنا إِليْكُمْ رسُولا} يا أهل مكة. {شاهدا عليْكُمْ} يشهد عليكم يوم القيامة بالإِجابة والامتناع. {كما أرْسلْنا إلى فِرْعوْن رسُولا} يعني موسى عليه الصلاة والسلام ولم يعينه لأن المقصود لم يتعلق به.{فعصى فِرْعوْنُ الرسول} عرفه لسبق ذكره. {فأخذناه أخْذا وبِيلا} ثقيلا من قولهم طعام وبيل لا يستمرأ لثقله، ومنه الوابل للمطر العظيم.{فكيْف تتّقُون} أنفسكم. {إِن كفرْتُمْ} بقيتم على الكفر. {يوْما} عذاب يوم. {يجْعلُ الولدان شِيبا} من شدة هوله وهذا على الفرض أو التمثيل، وأصله أن الهموم تضعف القوى وتسرع الشيب، ويجوز أن يكون وصفا لليوم بالطول.{السّماءُ مُنفطِرٌ} منشق والتذكير على تأويل السقف أو إضمار شيء. {بِهِ} بشدة ذلك اليوم على عظمها وأحكامها فضلا عن غيرها والباء للآلة. {كان وعْدُهُ مفْعُولا} الضمير لله عز وجل أو لليوم على إضافة المصدر إلى المفعول.{إِنّ هذه} أي الآيات الموعدة. {تذْكِرةٌ} عظة. {فمن شاء} أن يتعظ. {اتخذ إلى ربّهِ سبِيلا} أي يتقرب إليه بسلوك التقوى.{إِنّ ربّك يعْلمُ أنّك تقُومُ أدنى مِن ثُلُثىِ اليل ونِصْفهُ وثُلُثهُ} استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشيء أقل بعدا منه، وقرأ ابن كثير والكوفيون {ونِصْفهُ وثُلُثهُ} بالنصب عطفا على {أدنى}. {وطائِفةٌ مّن الذين معك} ويقوم ذلك جماعة من أصحابك. {والله يُقدّرُ اليل والنهار} لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله تعالى، فإن تقديم اسمه مبتدأ مبنيا عليه {يُقدّرُ} يشعر بالاختصاص ويؤيده قوله: {علِم أن لّن تُحْصُوهُ} أي لن تحصوا تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات. {فتاب عليْكُمْ} بالترخص في ترك القيام المقدر ورفع التبعة فيه كما رفع التبعة عن التائب. {فاقرءوا ما تيسّر مِن القرءان} فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل، عبر عن الصلاة بالقرآن كما عبر عنها بسائر أركانها، قيل كان التهجد واجبا على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ به، ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس، أو فاقرؤوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم. {علِم أن سيكُونُ مِنكُمْ مرضى} استئناف يبين حكمه أخرى مقتضية الترخيص والتخفيف ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه وقال: {وآخرُون يضْرِبُون فِي الأرْضِ يبْتغُون مِنْ فضْلِ الله} والضرب في الأرض ابتغاء للفضل المسافرة للتجارة وتحصيل العلم {وآخرُون يُقاتِلُون فِي سبِيلِ اللهِ فأقْرؤُوا ما تيسّر مِنْهُ وأقِيمُوا الصّلاة} المفروضة. {وآتوُاْ الزكوة} الواجبة. {وأقْرِضُواُ الله قرْضا حسنا} يريد به الأمر في سائر الانفاقات في سبل الخيرات، أو بأداء الزكاة على أحسن وجه، والترغيب فيه بوعد العوض كما صرح به في قوله: {وما تُقدّمُواْ لأنفُسِكُمْ مّنْ خيْرٍ تجِدُوهُ عِند الله هُو خيْرا وأعْظم أجْرا} من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت أو من متاع الدنيا، و{خيْرا} ثاني مفعولي {تجِدُوهُ} وهو تأكيد أو فصل، لأن أفعل من كالمعرفة ولذلك يمتنع من حرف التعريف، وقرئ {هو خير} على الابتداء والخبر. {واستغفروا الله} في مجامع أحوالكم فإن الإِنسان لا يخلو من تفريط. {إِنّ الله غفُورٌ رّحِيمٌ}.عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة المزمل رفع الله عنه العسر في الدنيا والآخرة». (1) اهـ.
أو: قيام الليل، على أن الناشئة مصدر من نشأ إذا قام ونهض على فاعله كالعاقبة. انتهى.وقرأ الجمهور: {وطاء} بكسر الواو وفتح الطاء ممدودا.وقرأ قتادة وشبل، عن أهل مكة: بكسر الواو وسكون الطاء والهمزة مقصورة.وقرأ ابن محيصن: بفتح الواو ممدودا، والمعنى أنها أشد مواطأة، أي يواطئ القلب فيها اللسان، أو أشد موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص.ومن قرأ {وطأ}: أي أشد ثبات قدم وأبعد من الزلل، أو أثقل وأغلظ على المصلي من صلاة النهار، كما جاء: «اللهم اشدد وطأتك على مضر».وقال الأخفش: أشد قياما.وقال الفراء: أثبت قراءة وقياما.وقال الكلبي: أشد نشاطا للمصلي لأنه في زمان راحته.وقيل: أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت فراغ، فالعبادة تدوم.{وأقوم قيلا}: أي أشد استقامة على الصواب، لأن الأصوات هادئة فلا يضطرب على المصلي ما يقرؤه.قال قتادة ومجاهد: أصوب للقراءة وأثبت للقول، لأنه زمان التفهم.وقال عكرمة: أتم نشاطا وإخلاصا وبركة.وحكى ابن شجرة: أعجل إجابة للدعاء.وقال زيد بن أسلم: أجدر أن يتفقه فيها القارئ.وقرأ الجمهور: {سبحا}: أي تصرّفا وتقلبا في المهمات، كما يتردّد السابح في الماء.قال الشاعر: وقيل: سبحا سبحة، أي نافلة.وقرأ ابن يعمر وعكرمة وابن أبي عبلة: {سبخا} بالخاء المنقوطة ومعناه: خفة من التكاليف، والتسبيخ: التخفيف، وهو استعارة من سبخ الصوف إذا نفشه ونشر أجزاءه، فمعناه: انتشار الهمة وتفرّق الخاطر بالشواغل.وقيل: فراغا وسعة لنومك وتصرّفك في حوائجك.وقيل: المعنى إن فات حزب الليل بنوم أو عذر.فليخلف بالنهار، فإن فيه سبحا طويلا.قال صاحب اللوامح: وفسر ابن يعمر وعكرمة سبخا بالخاء معجمة.وقال: نوما، أي تنام بالنهار لتستعين به على قيام الليل.وقد تحتمل هذه القراءة غير هذا المعنى، لكنهما فسراها، فلا يجاوز عنه. انتهى.وفي الحديث: «لا تسبخي بدعائك»، أي لا تخففي.وقال الشاعر: وقال الأصمعي: يقال سبح الله عنك الحمى، أي خففها.وقيل: السبخ: المد، يقال: سبخي قطنك: أي مديه، ويقال لقطع القطن سبائخ، الواحدة سبيخة، ومنه قول الأخطل: {واذكر اسم ربك}: أي دم على ذكره، وهو يتناول كل ذكر من تسبيح وتهليل وغيرهما، وانتصب {تبتيلا} على أنه مصدر على غير الصدر، وحسن ذلك كونه فاصلة.وقرأ الأخوان وابن عامر وأبو بكر ويعقوب: {رب} بالخفض على البدل من {ربك}؛ وباقي السبعة: بالرفع؛ وزيد بن عليّ: بالنصب؛ والجمهور: {المشرق والمغرب} موحدين؛ وعبد الله وأصحابه وابن عباس: بجمعهما.وقال الزمخشري، وعن ابن عباس: على القسم، يعني: خفض {رب} بإضمار حرف القسم، كقولك: الله لأفعلن، وجوابه: لا إله إلا هو، كما تقول: والله لا أحد في الدار إلا زيد. انتهى.ولعل هذا التخريج لا يصح عن ابن عباس، إذ فيه إضمار الجار في القسم، ولا يجوز عند البصريين إلا في لفظة الله، ولا يقاس عليه.ولأن الجملة المنفية في جواب القسم إذا كانت اسمية فلا تنفيء إلا بما وحدها، ولا تنفي بلا إلا الجملة المصدرة بمضارع كثيرا وبماض في معناه قليلا، نحو قول الشاعر: والزمخشري أورد ذلك على سبيل التجويز والتسليم، والذي ذكره النحويون هو نفيها بما نحو قوله: {فاتخذه وكيلا}، لأن من انفرد بالألوهية لم يتخذ وكيلا إلا هو.{واصبر}، {واهجرهم}: قيل منسوخ بآية السيف.{وذرني والمكذبين}: قيل نزلت في صناديد قريش، وقيل: في المطعمين يوم بدر، وتقدّمت أسماؤهم في سورة الأنفال، وتقدّم شرح مثل هذا في {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث} {أولي النعمة}: أي غضارة العيش وكثرة المال والولد، والنعمة بالفتح: التنعم، وبالكسر: الأنعام وما ينعم به، وبالضم: المسرّة، يقال: نعم ونعمة عين.{ومهلهم قليلا}: وعيد لهم بسرعة الانتقام منهم، والقليل: موافاة آجالهم.وقيل: وقعة بدر.{إن لدينا}: أي ما يضاد نعمتهم، {أنكالا}: قيودا في أرجلهم.قال الشعبي: لم تجعل في أرجلهم خوفا من هروبهم، ولكن إذا أرادوا أن يرتفعوا استقلت بهم.وقال الكلبي: الأنكال: الأغلال، والأول أعرف في اللغة، ومنه قول الخنساء: {وجحيما}: نارا شديدة الايقاد.{وطعاما ذا غصة}، قال ابن عباس: شوك من نار يعترض في حلوقهم، لا يخرج ولا ينزل.وقال مجاهد وغيره: شجرة الزقوم.وقيل: الضريع وشجرة الزقوم.{يوم} منصوب بالعامل في الدنيا، وقيل: بذرني، {ترجف}: تضطرب.وقرأ الجمهور: {ترجف} بفتح التاء مبنيا للفاعل؛ وزيد بن علي: بضمها مبنيا للمفعول، {كثيبا}: أي رملا مجتمعا، {مهيلا}: أي رخوا لينا.قيل: ويقال: مهيل ومهيول، وكيل ومكيول، ومدين ومديون، الإتمام في ذوات الياء لغة تميم، والحذف لأكثر العرب.ولما هدد المكذبين بأهوال القيامة، ذكرهم بحال فرعون وكيف أخذه الله تعالى، إذ كذب موسى عليه السلام، وأنه إن دام تكذيبهم أهلكهم الله تعالى فقال: {إنا أرسلنا إليكم}، والخطاب عام للأسود والأحمر.وقيل: لأهل مكة، {رسولا شاهدا عليكم}، كما قال: {وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} وشبه إرساله إلى أهل مكة بإرسال موسى إلى فرعون على التعيين، لأن كلا منهما ربا في قومه واستحقروا بهما، وكان عندهم علم بما جرى من غرق فرعون، فناسب أن يشبه الإرسال بالإرسال.وقيل: الرسول بلام التعريف، لأنه تقدم ذكره فأحيل عليه.كما تقول: لقيت رجلا فضربت الرجل، لأن المضروب هو الملقى، والوبيل: الرديء العقبى، من قولهم: كلأ وبيل: أي وخيم لا يستمرأ لثقله، أي لا ينزل في المريء.{فكيْف تتّقُون إِنْ كفرْتُمْ يوْما يجْعلُ الْوِلْدان شِيبا (17)}{يوما} منصوب بتتقون، منصوب نصب المفعول به على المجاز، أي كيف تستقبلون هذا اليوم العظيم الذي من شأنه كذا وكذا؟ والضمير في {يجعل} لليوم، أسند إليه الجعل لما كان واقعا له على سبيل المجاز.وقال الزمخشري: {يوما} مفعول به، أي فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له إن بقيتم على الكفر ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا؟ انتهى.و{تتقون} مضارع اتقى، واتقى ليس بمعنى وقى حتى يفسره به، واتقى يتعدى إلى واحد، ووقى يتعدى إلى اثنين.قال تعالى: {ووقاهم عذاب الجحيم}، ولذلك قدره الزمخشري: تقون أنفسكم يوم القيامة، لكنه ليس تتقون بمعنى تقون، فلا يتعدى بعديته، ودس في قوله: ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا الاعتزال.قال: ويجوز أن يكون ظرفا، أي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا؟ قال: ويجوز أن ينتصب بـ: {كفرتم} على تأويل جحدتم، أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة؟ والجزاء لأن تقوى الله خوف عقابه. انتهى.وقرأ الجمهور: {يوما} منونا، {يجعل} بالياء؛ والجملة من قوله: {يجعل} صفة ليوم، فإن كان الضمير في {يجعل} عائدا على اليوم فواضح وهو الظاهر؛ وإن عاد على الله، كما قال بعضهم، فلابد من حذف ضمير يعود إلى اليوم، أي يجعل فيه كقوله: {يوما لا تجزي نفس}.وقرأ زيد بن عليّ: بغير تنوين: {نجعل} بالنون، فالظرف مضاف إلى الجملة، والشيب مفعول ثان لـ: {يجعل}، أي يصير الصبيان شيوخا، وهو كناية عن شدة ذلك اليوم.ويقال في اليوم الشديد: يوم يشيب نواصي الأطفال، والأصل فيه أن الهموم إذا تفاقمت أسرعت بالشيب.قال المتنبي: وقال قوم: ذلك حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول، كما قد يرى الشيب في الدنيا من الهم المفرط، كهول البحر ونحوه.وقال الزمخشري: ويجوز أن يوصف اليوم بالطول، وأن الاطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة.وقال السدي: الولدان: أولاد الزنا.وقيل: أولاد المشركين، والظاهر العموم، أي يشيب الصغير من غير كبر، وذلك حين يقال لآدم: يا آدم قم فابعث بعث النار.وقيل: هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق.{السماء منفطر به}، قال الفراء: يعني المظلة تذكر وتؤنث، فجاء {منفطر} على التذكير، ومنه قول الشاعر: وعلى القول بالتأنيث، فقال أبو علي الفارسي: هو من باب الجراد المنتشر، والشجر الأخضر، وأعجاز نخل منقعر.انتهى، يعني أنها من باب اسم الجنس الذي بينه وبين مفرده تاء التأنيث وأن مفرده سماء، واسم الجنس يجوز فيه التذكير والتأنيث، فجاء منفطر على التذكير.وقال أبو عمرو بن العلاء، وأبو عبيدة والكسائي، وتبعهم القاضي منذر بن سعيد: مجازها السقف، فجاء عليه {منفطر}، ولم يقل منفطرة.وقال أبو علي أيضا: التقدير ذات انفطار كقولهم: امرأة مرضع، أي ذات رضاع، فجرى على طريق التسبب.وقال الزمخشري: أو السماء شيء منفطر، فجعل {منفطر} صفة لخبر محذوف مقدر بمذكر وهو شيء، والانفطار: التصدع والانشقاق؛ والضمير في به الظاهر أنه يعود على اليوم، والباء للسبب، أي بسبب شدة ذلك اليوم، أو ظرفية، أي فيه.وقال مجاهد: يعود على الله، أي بأمره وسلطانه.والظاهر أن الضمير في {وعده} عائد على اليوم، فهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي أنه تعالى وعد عباده هذا اليوم، وهو يوم القيامة، فلابد من إنجازه.ويجوز أن يكون عائدا على الله تعالى، فيكون من إضافة المصدر إلى الفاعل، وإن لم يجر له ذكر قريب، لأنه معلوم أن الذي هذه مواعيده هو الله تعالى.{إن هذه}: أي السورة، أو الأنكال وما عطف عليه، والأخذ الوبيل، أو آيات القرآن المتضمنة شدة القيامة، {تذكرة}: أي موعظة، {فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا} بالتقرب إليه بالطاعة، ومفعول {شاء} محذوف يدل عليه الشرط، لأن من شرطية، أي فمن شاء أن يتخذ سبيلا اتخذه إلى ربه، وليست المشيئة هنا على معنى الإباحة، بل تتضمن معنى الوعد والوعيد.{إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى}: تصلي، كقوله: {قم الليل}.لما كان أكثر أحوال الصلاة القيام عبر به عنها، وهذه الآية نزلت تخفيفا لما كان استمرار استعماله من أمر قيام الليل، إما على الوجوب، وإما على الندب، على الخلاف الذي سبق؛ {أدنى من ثلثي الليل}: أي زمانا هو أقل من ثلثي الليل، واستعير الأدنى، وهو الأقرب للأول، لأن المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الأحياز، وإذا بعدت كثر ذلك.وقرأ الجمهور: {من ثلثي} بضم اللام؛ والحسن وشيبة وأبو حيوة وابن السميفع وهشام وابن مجاهد، عن قنبل فيما ذكر صاحب الكامل: بإسكانها، وجاء ذلك عن نافع وابن عامر فيما ذكر صاحب اللوامح.وقرأ العربيان ونافع: {ونصفه وثلثه}، بجرهما عطفا على {ثلثي الليل}؛ وباقي السبعة وزيد بن علي: بالنصب عطفا على {أدنى}، لأنه منصوب على الظرف، أي وقتا أدنى من ثلثي الليل.فقراءة النصب مناسبة للتقسيم الذي في أول السورة، لأنه إذا قام الليل إلا قليلا صدق عليه {أدنى من ثلثي الليل}، لأن الزمان الذي لم يقم فيه يكون الثلث وشيئا من الثلثين، فيصدق عليه قوله: {إلا قليلا}.وأما قوله: {ونصفه} فهو مطابق لقوله أولا: {نصفه}.وأما ثلثه فإن قوله: {أو انقص منه قليلا} قد ينتهي النقص في القليل إلى أن يكون الوقت ثلث الليل.وأما قوله: {أو زد عليه}، فإنه إذا زاد على النصف قليلا، كان الوقت أقل من الثلثين، فيكون قد طابق قوله: {أدنى من ثلثي الليل}، ويكون قوله تعالى: {نصفه أو انقص منه قليلا} شرحا لمبهم ما دل عليه قوله: {قم الليل إلا قليلا}، وعلى قراءة النصب.قال الحسن وابن جبير: معنى تحصوه: تطيقوه، أي قدر تعالى أنهم يقدرون الزمان على ما مر في أول السورة، فلم يطيقوا قيامه لكثرته وشدته، فخفف تعالى عنهم فضلا منه، لا لعلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقات.وأما قراءة الجر، فالمعنى أنه قيام مختلف؛ مرة أدنى من الثلثين، ومرة أدنى من النصف، ومرة أدنى من الثلث، وذلك لتعذر معرته البشر مقادير الزمان مع عذر النوم.وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى، والبشر لا يحصون ذلك، أي لا يطيقون مقادير ذلك، فتاب عليهم، أي رجع بهم من الثقل إلى الخفة وأمرهم بقيام ما تيسر.وعلى القراءتين يكون علمه تعالى بذلك على حسب الوقوع منهم، لأنهم قاموا تلك المقادير في أوقات مختلفة قاموا أدنى من الثلثين ونصفا وثلثا، وقاموا أدنى من النصف وأدنى من الثلث، فلا تنافي بين القراءتين.وقرأ الجمهور: {وثلثه} بضم اللام؛ وابن كثير في رواية شبل: بإسكانها؛ وطائفة: معطوف على الضمير المستكن في {تقوم}، وحسنة الفصل بينهما.وقوله: {وطائفة من الذين معك} دليل على أنه لم يكن فرضا على الجميع، إذ لو كان فرضا، لكان التركيب: والذين معك، إلا إن اعتقد أنهم كان منهم من يقوم في بيته، ومنهم من يقوم معه، فيمكن إذ ذاك الفرضية في حق الجميع.{والله يقدر الليل والنهار}: أي هو وحده تعالى العالم بمقادير الساعات.قال الزمخشري: وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنيا عليه يقدر هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير. انتهى.وهذا مذهبه، وإنما استفيد الاختصاص من سياق الكلام لا من تقديم المبتدأ.لو قلت: زيد يحفظ القرآن أو يتفقه في كتاب سيبويه، لم يدل تقديم المبتدأ على الاختصاص.وأن مخففة من الثقيلة، والضمير في {نحصوه}، الظاهر أنه عائد على المصدر المفهوم من يقدر، أي أن لن تحصوا تقدير ساعات الليل والنهار، لا تحيطوا بها على الحقيقة.وقيل: الضمير يعود على القيام المفهوم من قوله: {فتاب عليكم}.قيل: فيه دليل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به.وقيل: رجع بكم من ثقل إلى خف، ومن عسر إلى عسر، ورخص لكم في ترك القيام المقدر.{فاقرؤا ما تيسر من القرآن}: عبر بالقراءة عن الصلاة لأنها بعض أركانها، كما عبر عنها بالقيام والركوع والسجود، أي فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل.وقيل: وهذا ناسخ للأول، ثم نسخا جميعا بالصلوات الخمس.وهذا الأمر بقوله: {فاقرؤا}، قال الجمهور: أمر إباحة، وقال ابن جبير وجماعة: هو فرض لابد منه، ولو خمسين آية.وقال الحسن وابن سيرين: قيام الليل فرض، ولو قدر حلب شاة.وقيل: هو أمر بقراءة القرآن بعينها، لا كناية عن الصلاة.وإذا كان المراد: فاقرؤا في الصلاة ما تيسر، فالظاهر أنه لا يتعين ما يقرأ، بل إذا قرأ ما تيسر له وسهل عليه أجزأه وقدره، وأبو حنيفة بآية، حكاه عنه الماوردي؛ وبثلاث.حكاه ابن العربي؛ وعين مالك والشافعي ما تيسر، قالا: هو فاتحة الكتاب، لا يعدل عنها ولا يقتصر على بعضها.{علم أن سيكون منكم مرضى}: بيان لحكمة النسخ، وهي تعذر القيام على المرضى، والضاربين في الأرض للتجارة، والمجاهدين في سبيل الله، {فاقرؤا ما تيسر منه}، كرر ذلك على سبيل التوكيد.ثم أمر بعمودي الإسلام البدني والمالي، ثم قال: {وأقرضوا الله قرضا حسنا}: العطف يشعر بالتغاير، فقوله: {وآتوا الزكاة} أمر بأداء الواجب، {وأقرضوا الله}: أمر بأداء الصدقات التي يتطوع بها.وقرأ الجمهور: {هو خيرا وأعظم أجرا} بنصبهما، واحتمل هو أن يكون فصلا، وأن يكون تأكيدا لضمير النصب في {تجدوه}.ولم يذكر الزمخشري والحوفي وابن عطية في إعراب هو إلا الفصل.وقال أبو البقاء: هو فصل، أو بدل، أو تأكيد.فقوله: أو بدل، وهم لو كان بدلا لطابق في النصب فكان يكون إياه.وقرأ أبو السمال وابن السميفع: {هو خير وأعظم}، برفعهما على الابتداء أو الخبر.قال أبو زيد: هو لغة بني تميم، يرفعون ما بعد الفاصلة، يقولون: كان زيد هو العاقل بالرفع، وهذا البيت لقيس بن ذريح وهو: قال أبو عمرو الجرمي: أنشد سيبويه هذا البيت شاهدا للرفع والقوافي مرفوعة.ويروى: أقدر.وقال الزمخشري: وهو فصل وجاز وإن لم يقع بين معرفتين، لأن أفعل من أشبه في امتناعه من حرف التعريف المعرفة. انتهى.وليس ما ذكر متفقا عليه.ومنهم من أجازه، وليس أفعل من أحكام الفصل ومسائله، والخلاف الوارد فيها كثير جدا، وقد جمعنا فيه كتابا سميناه بالقول الفصل في أحكام الفصل، وأودعنا معظمه شرح التسهيل من تأليفنا. اهـ.
|